تسريب الخلافات الزوجية خارج محيطها يزيدها تعقيداً
إشاعة الرفق بين أفراد الأسرة من أسباب السعادة
تدخل الأطراف الخارجية في الخلافات الزوجية يكون عند الضرورة القصوى
الرياض: د. عقيل العقيل
الحياة الزوجية لا تخلو من الأسرار ولا تخلو أيضاً من المشاكل والمنغِّصات وإدارة تلك الأمور بحكمة هو شعار المؤمن المتبع لرسوله صلى الله عليه وسلم وإحلال الرفق محل العجلة عامل مهم رئيس ونحن في هذا الحوار مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد (الداعية المعروف) نقف على بعض القضايا التي تهم الأسرة المؤمنة ونحاول إيجاد الحلول والمقترحات النافعة بإذن الله تعالى.
٭ فضيلة الشيخ هناك من الأزواج من ينشر أسراره مع زوجته وما دار بينهما في الفراش ونحوه وبعض النساء تفعل ذلك أيضاً ما حكم ذلك؟
- هذا أمر محرَّم دليله قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)، ومعنى يفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة، كما في قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)النساء: ٢١. ومن أدلة التحريم أيضاً حديث أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صل الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود فقال: (لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها)، فأرم القوم (أي سكتوا) فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليفعلن! وإنهم ليفعلون!! قال: (فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)، وفي رواية لأبي داود: (هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله، قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صل الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن. قال: (هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه.
٭ بعض الأزواج يسرب ما يدور في البيت من خلافات زوجية يسربها خارج محيط الأسرة، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وما أثر ذلك العمل على المشكلات الزوجية؟
- تسريب الخلافات الزوجية خارج محيط البيت في كثير من الأحيان يزيد المشكلة تعقيداً وتدخل الأطراف الخارجية في الخلافات الزوجية يؤدي إلى مزيد من الجفاء في الغالب، ويُصبح الحل بالمراسلة بين اثنين هما أقرب الناس لبعضهما، فلا يلجأ إليه إلا عند تعذر الإصلاح المباشر المشترك، وعند ذلك نفعل كما أمر الله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)النساء: ٣٥.
٭ لكل بيت خصوصياته ونشر ذلك يؤدي إلى الأضرار بالبيت أو بأحد أفراده، ما تعليق فضيلتكم؟
- الإضرار بالبيت، أو أحد أفراده بنشر بعض خصوصياته هذا لا يجوز؛ لأنه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا إضرار)، ومن أمثلة ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)التحريم: ١٠، فقد نقل ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية ما يلي: (فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحداً، أخبرت أهل المدينة ممن يعمل السوء) أي ليأتوا فيعملوا بهم الفاحشة.
٭ من الآداب السامية والأخلاق العظيمة الرفق وهو كما تعلمون خلق رفيع فماذا عن إشاعته في البيت؟
- إشاعة خلق الرفق في البيت أمر مهم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله – عزَّ وجلَّ – بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق)، وفي رواية أخرى: (إن الله إذا أحبّ أهل بيت أدخل عليهم الرفق)، أي صار بعضهم يرفق ببعض، وهذا من أسباب السعادة في البيت، فالرفق نافع جداً بين الزوجين، ومع الأولاد، ويأتي بنتائج لا يأتي بها العنف كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه).
٭ قد يحتاج أهل البيت إلى المساعدة في عمل البيت وهناك من الأزواج من يرفض ذلك، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟
- كثير من الرجال يأنفون من العمل البيتي، وبعضهم يعتقد أن مما ينقص من قدره ومنزلته أن يخوض مع أهل البيت في مهنتهم، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)، قالت ذلك زوجته عائشة – رضي الله عنها – لما سئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته، فأجابت بما شاهدته بنفسها وفي رواية: كان بشراً من البشر يفلي (ينقي) ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وسئلت – رضي الله عنها – أيضاً ما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يصنع في بيته، قالت: كان يكون في مهنة أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
٭ ما المصالح التي تتحقق تبعاً لذلك؟
- لا شك أن ذلك يحقق عدة مصالح:
- اقتدينا برسول الله صل الله عليه وسلم، وساعدنا أهلينا، وشعرنا بالتواضع وعدم الكبر.
وأخيراً أقول: وبعض الرجال يطالب زوجته بالطعام فوراً، والقدر فوق النار، والولد يصرخ يريد الرضاع، فلا هو يمسك الولد، ولا هو ينتظر الطعام قليلاً، فلتكن هذه الأحاديث تذكرة وعبرة.