"مسلمو الروهينج"
"مـن أكـثر الأقـليات اضطهادا فـي الـعـالم" (الأمم المتحدة)
"مـن أكثر الأقليات عرضة لخطر الانقراض" (منظمة أطباء بلا حدود)
المقدمة:
دولة بورما – والتي تم في عام 1989م تغير اسمها إلى اتحاد ميانمار - هي ثاني أكبر الدول مساحة في جنوب شرق آسيا، وشعبها متنوع عرقياً، غالبيته من البرمان أو البمار ويمثلون نسبة 68%، يليهم الشان 9؛ والكارين 7؛ والراخين 4؛ والصينيون 3؛ والهنود بنسبة 2، وكذلك المون بنفس النسبة، ومن الجدير بالاهتمام أن الروهينجا الذين يعيشون في ميانمار منذ قرون ويتجاوز عددهم 800,000، لا تعتبرهم الحكومة من سكانها، بل تصنفهم كأجانب يعيشون بشكل غير قانوني في الدولة.
أما من ناحية الديانات فإن الغالبية العظمى من سكان ميانمار تتمسك بالثيرافادا البوذية، وإن كانت لا توجد إحصائيات دقيقة إلا أن نسبتهم تقدر بحول 89%، مع أقليات كبيرة من المسلمين تقدر بـ (4%)، والمسيحيين بـ (4%)، والهندوس بـ (1%).
يحد ميانمار من الشمال جمهورية الصين الشعبية، و لاوس من الشرق، و تايلاند من الجنوب الشرقي، وبنغلاديش من الغرب، والهند من الشمال الغربي، وبحر أندمان من الجنوب، وخليج البنغال من الجنوب الغربي، وهذا ما يعطي ميانمار 2000 كم من الساحل.
تحكم ميانمار حكومة مدنية اسمية تتكون من عناصر سابقة من الجيش، تم انتخابها في مارس 2011، وكثير من المصادر الموثوق بها داخل وخارج ميانمار تشكك في مصداقية وشفافية هذه الانتخابات التي كان المجتمع الدولي وسكان ميانمار ينظرون إليها بتفاؤل، خاصة بعد 49 سنة من الحكم العسكري القاهر، ويرأس الحكومة الحالية السيد ثين سين.
تاريخ وأوضاع المسلمين في بورما:
لقد توالت الحكومات القمعية الاستبدادية على ميانمار منذ عام 1962م، منذ أن استولى (ني وين) على السلطة، وفي العام 1988م كان هناك بصيص من الأمل عندما تظاهر الآلاف من المؤيدين للديمقراطية لإنهاء هذا الحكم الديكتاتوري، ولكن لم تتورع القوات المسلحة عن استخدام القوة والعنف لقمع المتظاهرين، ومنذ ذلك الحين توالى على الحكم في ميانمار مجموعات من ضباط الجيش، زاعمين أن حكومتهم ليست إلا حكومة انتقالية، وفي الأربع والعشرين سنة الماضية، كان للجيش سجل أسود ملطخ بالدماء البريئة في مجال حقوق الإنسان، تم فيها اضطهاد وطرد وقتل آلاف المسلمين، وقد تفاءل الكثيرون عندما تم انتخاب حكومة ديمقراطية عام 2011م، ولكن سرعان ما بانت الحقيقة وأيقن المسلمون في ميانمار أن الوضع لم يتغير كثيراً، وربما قد ساء عن ذي قبل.
حسب إحصائيات حكومة ميانمار الرسمية، فإن المسلمين يشكلون فقط 4% من سكان بورما، ولكن يرفض الزعماء المسلمون القبول بهذا الرقم، ويقولون إن النسبة الحقيقية تقارب 13% وعددهم يتجاوز 7 مليون نسمة، وعلى كل الأحوال فإن أحدث الإحصائيات الرسمية يعود تاريخها للعام 1948م وأركان الولاية الغربية المجاورة لبنغلاديش يقدر سكانها بما يقارب 800,000 من المسلمين الروهينجا وبعض المسلمين الهنود والبنغال.
ولكن بصفة عامة يتواجد المسلمون في المدن أكثر من القرى، والمسلمون الأوائل الذين استقروا في هذه المنطقة كانوا من البحارة والتجار العرب الذين أتوا إلى ولاية أركان في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وغيرهم من المسلمين الذين أتوا إلى المنطقة في القرون اللاحقة، من الفرس والمغول والأتراك والباتان والبنغاليين، وخلال فترة الاستعمار البريطاني 1824- 1948م كانت هناك أيضا هجرة ضخمة من الشيتاجونج في بنغلاديش إلى ولاية أركان.
وخلال فترة الاستعمار البريطاني وسنوات الاستقلال الأولى، كانت للمسلمين مكانه مرموقة في المجتمع البورمي، وكانوا يشغلون مناصب رفيعة في الحكومة والمجتمع، وكانوا أيضاً في طليعة من كافحوا من أجل استقلال ميانمار عن الحكم البريطاني، واستمر المسلمون في ميانمار بعد الاستقلال، في لعب دور بارز في مجال الأعمال التجارية والصناعية والأنشطة الثقافية، وكثير من المسلمين كانوا موظفين عموميين وجنوداً وحتى ضباطاً، وعندما تم انتخاب آخر مجلس نواب في 1960م، كان هناك على أقل تقدير وزير مسلم واحد وعدد من المسلمين في البرلمان.
ولكن تغيرت الأمور رأسا على عقب عندما استولى (ني وين) على الحكم في العام 1962م، وبدأت عملية طرد منهجية للمسلمين من الحكومة والجيش، وإن كان في الحقيقة لا يوجد هناك قانون ينص على طرد المسلمين من الجيش و الوظائف الحكومية الأخرى إلا أن هذا ما كان يحدث في الواقع، ولهذا السبب نرى أكثر المسلمين في بورما يمارسون التجارة أو الأعمال الوضيعة الأخرى، إذ ليست لديهم أية خيارات أخرى، وهذا التحول العجيب لأوضاع مسلمي الروهينجا في ميانمار يجعل المراقبين لأوضاعهم في حيرة من أمرهم فشعب الروهينجا في بورما الآن يعتبر من أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.
ومع أنه لا يوجد هناك دين رسمي في ميانمار، إلا أن الحكومة البورمية تؤيد الثيرافادا البوذية في الممارسة العملية كما كانت تفعل الحكومات السابقة، ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، غالبا ما تظهر القادة العسكريين والوزراء وهم يكرمون الرهبان البوذيين ويقدمون التبرعات المالية إلى المعابد المنتشرة في جميع أنحاء ميانمار، وينظمون التبرعات قسرًا لجمع المال لبناء وتجديد المزارات البوذية، ولا تخلو الصحف المحلية من وجود شعارات و اقتباسات من الكتاب البوذي المقدس.
أما المسلمون فيواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تصريح لبناء المساجد وجلب القرآن الكريم والكتب الدينية الأخرى بالنصوص العربية، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، كانت هناك العديد من التقارير عن المساجد التي تم تدميرها ليتم بناء معابد بوذية مكانها.
يشتهر سكان ميانمار الأصليون بأنهم يتزوجون من الجماعات العرقية الأخرى، خاصة التي تقطن في شرقي البلاد، مثل الكارن ومونس والشانس، وهي جماعات عرقية ذات غالبية بوذية كما هو الحال بالنسبة للجالية الصينية الموجودة في ميانمار، إذ لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة حالات الزواج بينهم وبين البرماويين، ولكن حالات الزواج بين المسلمين والبرماويين نادرة جدا.
وعلى مدى العقود الماضية، تم توزيع الكثير من المنشورات المضادة للمسلمين على شكل مطويات وبروشورات، تزعم أن المسلمين يحاولون فرض سيطرتهم وهيمنتهم على ميانمار من خلال تزوجهم من البرماويات وشراء أراضيهم، أحد هذه المنشورات التي تم تداولها بشكل واسع عام 2001م من قبل الرهبان البوذيين، كانت تحمل العنوان (عواقب انتهاء عرقك)، ويرى الزعماء المسلمون في ميانمار أن هذه الحملات ضد المسلمين بدأت تتزايد بعد ما تم تدمير صنم البوذا في أفغانستان، و يشارك في توزيع هذه المنشورات في كثير من الأحيان: الرهبان ومنظمات مدعومة من قبل الحكومة مثل منظمة اليو إس دي أي، التي ترعاها الحكومة.
ورغم أن مسلمي الروهينجا قاتلوا وناضلوا من أجل حرية ميانمار وعاشوا فيها منذ قرون، إلا أنهم لا يحق لهم المطالبة بالجنسية التي سلبت منهم عام 1982م، بحجة أن أجدادهم لم يكونوا موجودين في ميانمار قبل الاحتلال البريطاني للدولة في العام 1824م، وأحد أبرز أسباب اضطهاد المسلمين الروهينجا في ميانمار، هو أن الجميع في ميانمار ينظر إليهم نظرة دونية، ويعتبرونهم أجانب رغم أنهم قد عاشوا فيها منذ مئات السنين، و تنص سياسة الحكومة على أن يتم وضع أطفال الروهينجا على قوائم سوداء من شأنها منعهم من الذهاب إلى المدرسة وتأخير عملية زواجهم، ويفرض عليهم كذلك ألاينجبوا أكثر من طفلين، وهذه السياسة مطبقة فقط على مسلمي الروهينجا، الأمر الذي جعل جماعات حقوق الإنسان تتهم الحكومة بمحاولة القضاء على الروهينجا ببطء.
وكذلك لا تسمح الحكومة البورمية لأحد من المسلمين الروهينجا بالتنقل خارج مدنهم إلا بتصريح من الشرطة المحلية، و هناك الكثير من التقارير الموثوق بها التي تؤكد أنه في كثير من الحالات يتم الزج بالركاب خارج مراكبهم إذا لم يكونوا يحملون تصاريح النقل وحتى إذا كانت لديهم التصاريح المطلوبة فهم أحياناً يواجهون نفس الاضطهاد، فعلى سبيل المثال في فبراير 2001م تم اعتقال 8 من المسلمين كانوا في طريقهم إلى رانغون من أركان، وكانوا يحملون الإثباتات المطلوبة، ولكن لم تكن لديهم تصاريح السفر إلى خارج مدنهم، ولهذا السبب فقط تم الحكم عليهم بالسجن لسبع سنين.
تاريخ العنف ضد المسلمين:
استُهدف شعب الروهينجا المسلم في 1991م بدعم من الحكومة، وساهمت أعمال العنف والتحريض ضد المسلمين في فرار أكثر من 250,000 مسلماً إلى بنغلاديش، وفي عام 1994م لجأ ما لا يقل عن 110,000 من أقليتي الكارين ومان إلى تايلاند بعد هجمات مكثفة من قبل الجيش، وورد أيضا أن الحكومة أسهمت في التحريض على العنف ضد المسلمين في ولاية شان ويانجون في عام 1996م.
و كانت هناك في فبراير ومارس 1997م أعمال شغب ضد المسلمين، بدأتها منظمات مدعومة من الحكومة في مدينة ماندالاي.
وفي عام 2001م كانت هناك زيادة حادة في أعمال العنف ضد المسلمين، ففي فبراير 2001م اندلعت أعمال شغب في مدينة سيتوي، وهناك روايات مختلفة ومتضاربة في كثير من الأحيان عن كيفية بدء أعمال الشغب، ولكن التقارير تذكر أن قوات الأمن الحكومية لم تتدخل لمنع القتال والهجمات على المسلمين وبيوتهم ومساجدهم ومؤسساتهم التجارية إلا بعد أن حدثت أضرار كبيرة، و كانت هناك أيضا تقارير موثقة تفيد بأن المحرضين كانوا يرتدون زي الرهبان ويحملون أجهزة لاسلكية لا يملكها إلا ممثلو الحكومة، وبعد أربعة أيام من أعمال الشغب، تدخلت قوات الأمن ومنعت العنف على الفور، ولكن بعد أن تم حرق نحو 50 منزلا للمسلمين والبوذيين، وبعد هذه الحادثة فرضت الحكومة قيود السفر الصارمة على المسلمين في المنطقة، ومنعت أي مسلم من السفر بين سيتوي وغيرها من المناطق المجاورة، وتم الحكم في وقت لاحق على سبعة من السياسيين الأركان بالسجن لمدة تتراوح ما بين 7-12 سنة بتهمة التحريض على أعمال الشغب.
وفي شهر مايو 2001م اندلعت أعمال الشغب ضد المسلمين في بلدة تانجو في منطقة باغو الفاصلة بين يانغون وماندالاي، واتبعت أعمال الشغب نفس الأسلوب الذي تمَّ في سيتوي، وهناك روايات مختلفة بأن قوات الأمن لم تتدخل لوقف أعمال العنف التي استهدفت المساجد والمؤسسات التجارية ومنازل المسلمين على الفور، ومرة أخرى كانت هناك تقارير تفيد بأن الرهبان الذين شاركوا في التحريض على أعمال العنف، كانوا يحملون أجهزة الاتصال الخاصة بالعسكريين، وبعد يومين من أعمال العنف، تدخل الجيش وانتهى العنف على الفور، ولكن ليس قبل حدوث دمار واسع على المسلمين وممتلكاتهم ومنازلهم وشركاتهم، وتسبب هذا العنف في تدمير عدة مساجد وقُدّر عدد القتلى بنحو عشرة من المسلمين و اثنين من البوذيين، وعلى الرغم من التحقيق الذي أجري في هذه الحادثة، إلا إنه لا يوجد دليل مباشر يربط بين الحكومة وأعمال العنف ضد المسلمين، وكان هناك تصاعد ملحوظ في حدة التوتر بين البوذيين والمسلمين في يونيو 2003 و هناك تقرير عن أن أعمال العنف تم تدبيرها من قبل منظمة اليو إس دي أي التابعة للحكومة العسكرية حينذاك.
الوضع الراهن:
أسباب التوتر بين المسلمين الروهينجا والبوذيين الراخان في ولاية راخين غرب ميانمار حسب ما تدعيه وكالات الأنباء البورمية والبوذيين، حدوث اغتصاب وقتل لامرأة بوذية على يد 3 أشخاص ينتمون إلى الديانة الإسلامية، ولكن الأمر أكثر تعقيدا من هذا كما يقول الناشط الاجتماعي ساي لات، حيث يرى أن بذور الكراهية ضد المسلمين بدأت تزرعها الحكومة منذ مطلع السبعينيات، سواء من خلال أفعالها أو سياسياتها ضد المسلمين، وفي نوفمبر من عام 2011م، بدأت حملة إعلامية مكثفة ضد المسلمين، ولم تعد هذه الحملة مدعومة من الحكومة فقط، بل أصبحت تنظم ويروج لها على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأفراد كحملة وطنية موحدة، و يشارك فيها حتى الذين هربوا من ميانمار وطلبوا اللجوء السياسي في أمريكا وأوروبا وأستراليا، وكانت اللغة المستخدمة في هذه التعليقات تدعو إلى القلق، عبارات "يجب علينا أن نقتل جميع (الكالار)" هذا المصطلح المهين الذي تعود أصوله للغة السنسكريت، يعنى "ذوي البشرة السوداء" ويستخدم للإشارة إلى المسلمين ذوي الأصول الجنوب أسيوية والروهينجا، وبعضهم يلقي اللوم على الدكتاتور (ثان شوي) لعدم قضائه على كل المسلمين الروهينجا عندما كانت لديه الفرصة، ولا تخلو هذه الرسائل أيضا من الإهانات والألفاظ الجنسية.
كما تم إنشاء صفحة وطنية على موقع الفيسبوك تحت اسم "عصابة ذبح الكالار" وصفحات أخرى مشابهة.
وبعض المسؤولين البورميين لم يتوان عن إظهار تحيزهم ضد المسلمين في تصريحات علنية، إذ قال يي ميينت أونغ قنصل ميانمار في هونغ كونغ في بيان رسمي إن شعب الروهينجا هو "بني داكن" و "قبيح مثل الغول"، وذهب ليمجد طبائع البورميين من أمثاله ووصفهم بـذوي البشرة "البيضاء الناعمة ".
ثم أتت حادثتان في غضون أسبوعين من الانتخابات في أبريل عام 2012م، إذ هدمت عصابة بقيادة الرهبان البوذيين وأعضاء من الرابطة الوطنية الديمقراطية FPR، مسجداً في هباكانت في ولاية كاتشين، وفي الوقت نفسه، تم هدم مسجد آخر في منطقة ماغوي الواقعة في وسط ميانمار، على يد مجموعة من المتظاهرين الذين دمروا أيضا منازل المسلمين المحليين ونهبوا ممتلكاتهم، والذي جعل المسلمين يشعرون باستياء: أن الإعلام لم يعط أي اهتمام لهذه الهجمات.
إن العنصرية واللغة التي استخدمتها قنوات أخبار الراخان المحلية، أدت إلى تأجج غضب البوذيين الراخان أكثر، فقناة نارينجارا التي تم تأسيسها في عام 2005م تعمدت التركيز على أن من ارتكب جريمة الاغتصاب والقتل هم مسلمون، وفي برامجها الإخبارية باللغة البورمية، قدمت الحادث كما لو كان المسلمون (أشارت إليهم بالأجانب) يهددون أمن واستقرار السكان المحليين، كما أن مصطلحات الكالار، والمسلمون والإسلام استخدمت مرارا في الأخبار، وعندما انتشر الخبر، بدأ الناس يعتبرون هذه الحادثة اعتداء من الكالار أو الأجانب على نسائهم.
ومن المثير للاهتمام، أن الزائرين لصفحة قناة نارينجارا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بدؤوا يتحدثون عن المغتصبين متيقنين أنهم من المسلمين - أو كما أشاروا إليهم بالكالارا - مع أن حقيقة وتفاصيل المتهمين كانت لا تزال غير واضحة، والمعلومات من مصادر مختلفة كانت تبين أن والد أحد المتهمين الرئيسين هو من الراخين البوذيين، وقد تبنته عائله مسلمة بعد أن توفي أبواه، ولكن الإعلام الراخيني فضل تجاهل هذه المعلومات.
واستمرت القنوات الإعلامية المحلية في استهداف ونشر السموم ضد المسلمين، وتجاهل الشكاوي من الأفراد والمنظمات المسلمة، حتى إن بعض التقارير الإخبارية الأولية ذكرت أن الفتاة المقتولة كان عمرها 16 سنة بدلاً من 26، الأمر الذي أثار غضب الناس أكثر.
وفي الرابع من شهر يونيو 2012م، حاصر ثلاثمائة من البوذيين الراخان، حافلة محملة بـ 10 ركاب، وانهالوا عليهم بالضرب حتى قتلوهم جميعاً، ومن ضمن المسافرين كانت امرأة مسلمة تم اغتصابها قبل أن يشعلوا النيران ويحرقوا أجسادهم جميعاً، ويذكر بأن ضمن القتلى كان بوذي قتل خطأً ظناً منهم بأنه مسلم.
وأعمال العنف الطائفية التي توالت بعد هذه الأحداث في ولاية أركان، أسفرت حسب التقارير الرسمية عن 50 قتلى على الأقل وإصابة العشرات، بالإضافة إلى إرغام أكثر من ثلاثين ألفا على النزوح من منازلهم وتدمير 1662 من المباني السكنية، ما دفع رئيس ميانمار ثين سين إلى فرض حالة طوارئ وحظر تجول على مدار الساعة.
اللاجئين الروهينجا:
على مرور السنين لم يستطع الكثير من الروهينجا تحمل أنواع التعذيب والاضطهاد من قبل حكومة وسكان بلدتهم، فقرروا المخاطرة بحياتهم والهروب إلى الدول المجاورة، بادئين رحلة في كثير من الأحيان تنتهي بانتهاء حياتهم قبل وصولهم لبر الأمان.
تقول كريس ليوا التي تدرس نمط هجرة الروهينجا منذ عام 2008م: في السنة الماضية بلغ رقم الهاربين ثمانية آلاف، وهو رقم قياسي جديد.
في جزيرة شاه باري البنغلادشية على نهر ناف الذي يفصل بنجلاديش عن بورما، يقول اللفتنانت كولونيل زاهد حسن من حرس الحدود البنجلادشية: إنهم أعادوا 14 زورقا خشباً منذ اندلاع الصراع في أوائل شهر يونيو، إذ قامت قوات حرس الحدود البنغلادشية بمنع ما لا يقل عن 1500 من اللاجئين الروهينجا المسلمين من الدخول إلى الحدود البنغلادشية إلى الآن.
مسئولو الحكومة البنغلادشية يرون أنهم لا يستطيعون إيواء اللاجئين الروهينجا، خاصة وأنهم يؤوون نحو 25,000 من الروهينجا كلاجئين رسميين من قبل، في مخيمين في جنوب شرق بنجلاديش تشرف عليهما الأمم المتحدة وتقدم فيهما المساعدات الغذائية وغيرها من المستلزمات الصحية، ويقول المسؤولون إن هناك أيضا ما بين 200,000 و 300,000 من الروهينجا الذين لا يحملون وثائق رسمية ولا يعتبرون لاجئين رسميين، وهم بلا أية حقوق قانونية، ويعيشون خارج المخيمات، ويعتمدون على البنجلادشيين المحليين ليحصلوا على قوت يومهم في منطقة تعانى من الفقر الشديد وقلة العمل.
ومن جهتها، ناشدت منظمة هيومن رايتس واتش، والأمم المتحدة، دكا بإبقاء حدودها مفتوحة وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الروهينجا، ولكن وزيرة الخارجية البنغلاديشية ديبو موني ترى أنه ليس من مصلحة الدولة قبول المزيد من اللاجئين في الوقت الراهن.
ردود الأفعال:
انتقدت المنظمات الإنسانية حكومة ميانمار لفرضها الحكم العسكري على ولاية راخين، متحججة بالجرائم التي ارتكبها الحكم العسكري في الماضي ضد المسلمين والبوذيين في المنطقة، وأبدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قلقها حيال الأحداث في راخين، وطالبت جميع الأطراف بوقف القتال، كما طالب ناشطو الروهينجا المجتمع الدولي بممارسة الضغوطات على الحكومة الميانمارية لترسل جنوداً من منطقة ينغون، وأن تزيل الجنود المحلين الذين يسيطرون على الوضع الحالي في راخين ويدعمون البوذيين ضد المسلمين.
من ناحية أخرى فإن سو تشي زعيمة المعارضة في ميانمار والحائزة على جائزة نوبل للسلام التي منحت لها في عام 1991م لكنها لم تتمكن من تسلمها إلا خلال جولتها الأوروبية الحالية، واجهت أسئلة متكررة من الصحافيين حول هذه المواجهات، إلا أن البرلمانية البارعة في السياسة شددت على أهمية دولة القانون التي «من دونها، لا يمكن أن يستمر نزاع كهذا», وامتنعت عن تقديم دعم حقيقي لـ800 ألفاً من الروهينجا المسلمين في هذا البلد.